مدخل تمهيدي:
تختلف أذواق الناس وتتنوع أحكامهم على الأشیاء والأمور، جمالا وقبحا، وذلك تبعا للأسس والمعاییر التي تعتمدها أذواقهم في إطار الأحكام.
- فكیف اعتنى الإسلام بالذوق السلیم؟
- وما هي أهم تجلیات هذا الذوق؟
النصوص المؤطرة للدرس:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
[سورة فاطر، الآية: 8]
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ، وَلَا التَّفَحُّش ».
[سنن أبي داود]
I – دراسة النصوص وقراءتها:
1 – توثيق النصوص:
أ – التعريف بسورة فاطر:
سورة فاطر: مكية، عدد آياتها 45 آية، ترتيبها 35 في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة الفرقان، سميت بهذا الاسم لذكر هذا الاسم الجليل لما في هذا الوصف من الدلالة على الإبداع والخلق، سورة فاطر نزلت قبل هجرة رسول الله ﷺ، فهي تسير في الغرض العام الذي نزلت من أجله الآيات المكية، والتي يرجع أغلبها إلى المقصد الأول من رسالة كل رسول، وهي قضايا العقيدة الكبرى، والدعوة إلى توحيد الله وإقامة البراهين على وجوده، وهدم قواعد الشرك، والحث على تطهير القلوب من الرذائل، والتحلي بمكارم الأخلاق.
ب – التعريف بأبي الدرداء:
أبو الدرداء: هو مكبر بن قيس بن زيد بن أمية بن مالك الخزرجي الأنصاري، والدرداء ابنته كنى بها فقامت الكنيه مقام اسمه حتى لا يكاد يعرف إلا بها، صحابي جليل، كان آخر الأنصار إسلامًا، يلقب بحكيم الأمة، أسلم يوم بدر، كان تاجرا في المدينة المنورة، وهو أحد الذين جمعوا القرآن على عهد النبيﷺ، ولاه معاوية بن أبي سفيان قضاء دمشق بأمر من عمر بن الخطاب، توفي أبو الدرداء الأنصاري عن عمر يناهز 72 عام حيث توفي عام 32 هجرية بمدينة الإسكندرية في مصر في عهد خلافة عثمان بن عفان.
II – فهم النصوص:
1 – مدلولات الألفاظ والعبارات:
- أفمن: الهمزة للاستفهام الإنكاري.
- زين له سوء عمله: توهم جمال القبيح من عمله بتزيينه له من الشيطان.
- حسرات: حزنا وأسى وغما على ما فات.
- أصلحوا رحالكم: حسنوا سروجكم التي فوق خيلكم أو جمالكم.
- أصلحوا لباسكم: حسنوا هيأتكم.
- شامة بين الناس: الشامة: الخال الذي يزين وجه صاحبه.
- التفحش: الفعل الدنيء والكلام الرديء.
2 – المعاني الأساسية للنصوص:
- نهيه سبحانه وتعالى رسوله على ألا يغتم ولا يهلك نفسه عمن اتبع الشيطان وترك الإيمان واستحسن ما هو عليه من الكفر والضلال.
- الاهتمام بالمظهر الداخلي والخارجي من الذوق السليم.
تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
I – الذوق السليم: مفهومه، أسسه ومجالاته:
1 – مفهوم الذوق السلیم:
الذوق: هو الحاسة التي تميز بها خواص الأشیاء المادیة والمعنویة، والذوق السلیم: هو ملكة عند الإنسان تنبني على أصل في الفطرة البشریة، أي میزان داخلي نزن به الأمور المادیة (كتذوق الطعام) ومعنویة (كتذوق السلوك والجمال، والإحساس به)، ومعنى السلیم: الصحیح والجید.
2 – أساس الذوق السلیم في الإسلام:
أسس الإسلام على قیم جمالیة علیا، فوجه الأذواق إلى الإحساس بالجمال الظاهري وعدم الإغفال عن الاهتمام بجمال النفس، مع مراعاة معاییر فطریة جمالیة ومعاییر شرعیة مؤسسة تسیر وفق توجهه السلیم.
3 – أهم مجالات الذوق السلیم:
- جمال الجسم: وذلك بالمحافظة على نظافته وجماله الظاهر والباطن، ولبس الحسن من الثياب، والتوقي من الأمراض والالتجاء إلى العلاج عند المرض، وإكرام الشعر والأسنان وممارسة الرياضة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، وقال عليه السلام: «الإسلام نظيف فتنظفوا، فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف».
- جمال النفس: ويتعلق الأمر هنا بتوحيد الله والتزام العقيدة الصحيحة والتحلي بالحياء وضبط النفس والتواضع والإيثار والعفو، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا۩وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.
- جما ل السلوك: ويتعلق الأمر هنا بعبادة الله والتزام الشريعة، والتأدب بالأدب الحسن الجميل، ومعاشرة الأخيار والقول الجميل، وإفشاء السلام …، قال عليه السلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وقال أيضا: «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا».
- جمال الباطن: ويتعلق الأمر هنا بالبيئة الخارجية: وذلك بالمحافظة على البيئة والعناية بها وحمايتها، والبيئة الداخلية: وذلك بالحرص على جمالية البيت وتنظيمه وتجميله، قال عليه السلام: «نظفوا أفنيتكم».
II – وسائل اكتساب الذوق السليم وفوائده:
1 – وسائل اكتساب الذوق السليم:
لكي نكتسب الذوق السليم، لابد من:
- الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
- رعاية الأسرة.
- حسن الظاهر والباطن.
- حسن الأدب في الخطاب.
- اتقان العمل وتحري الجودة.
- التزام تعاليم الإسلام.
- مشاهدة البرامج الهادفة.
- التنشئة السليمة في البيت والمدرسة.
- معاشرة الأخيار …
2 – فوائد الذوق السليم على المستويين الأخروي والدنيوي:
أ – على المستوى الأخروي:
- الفوز برضا الله والجنة.
- السكينة والطمأنينة.
- زيادة الإيمان.
ب – على المستوى الدنيوي:
- الاتزان النفسي والذاتي عند الإنسان.
- تمتین الروابط بین أفراد المجتمع.
- بيئة سليمة وأجسام طاهرة.
بالتوفيق