مدخل تمهيدي:
إن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ودار شدائد ورخاء، يتعاقب فيها الخير والشر، ويتعاقب فيها العسر واليسر، وإن الله جل وعلا أمر المؤمنين عندما تنزل الشدائد والحاجة والفقر بالتعاون على دفع حاجة المحتاجين ومساعدة المعسرين، فالله سبحانه وتعالى أعطى الأموال وأمر بالإنفاق منها، والحديث الذي بين أيدينا يوضح ذلك.
نص الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ: اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ؟ قال: فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ، فقال له: يا عبدَ الله، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا، فَقَالَ: أمَا إذ قلتَ هَذَا، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ».
[رواه مسلم في كتاب الزهد، باب الصدقة في المساكين]
دراسة الحديث وقراءته:
I – توثيق الحديث والتعريف به:
1 – التعريف بالإمام مسلم:
الإمام مسلم: هو أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، ولد سنة 206 ه بنيسابور، رحل من أجل طلب العلم وهو صغير إلى عدة بلدان، منها: الحجاز، الشام، مصر …، درس على يد شيخه البخاري، له عدة مؤلفات، منها: صحيح مسلم، العلل، أوهام المحدثين، طبقات التابعين، ويصنف كتابه «صحيح مسلم» في الدرجة الثانية بعد صحيح البخاري، ويشتمل على أربعة آلاف حديث، توفي بنيسابور سنة 261 ه.
II – فهم الحديث:
1 – معاني مفردات الحديث الشريف:
- الفلاة: الأرض الواسعة المقفرة.
- الحديقة: القطعة من النخيل، وتطلق على الأرض ذات الشجر.
- المسحاة: آلة لحفر وجر التراب.
- الحرة: الأرض الملبسة حجارة سوداء.
- الشرجة: هي مسيل الماء من الهضاب ونحوها.
2 – المعنى العام للحديث الشريف:
- يخبرنا الحديث الشريف عن مزارع صالح، برزت فيه صفات الكرم والجود والسخاء ليقهر الطبيعة البشرية القائمة على الشح والإمساك، وتذبير محصوله فأنفق الثلث على المحتاجين والثلث على أسرته وأستثمر الثلث في الأرض.
2 – ما يُسْتَخْلَصُ من الحديث:
- عناية الله بالمخلصين في عملهم.
- تسخير الله عز وجل المطر للرجل الصالح بسبب كثرة الإنفاق على الفقراء والمحتاجين.
- تقسيم الرجل الصالح منتوجه إلى ثلاثة أقسام: يُنْفِقُ ثلث منتوج الحديقة على الفقراء والمساكين، والثلث الثاني على أهله، والثلث الأخير يردُّهُ للمزرعة.
III – المعنى الإجمالي للحديث:
يتناول الحديث الشريف قصة مزارع صالح سخر له الله سحابة أنزلت المطر فعمل على تحويل الماء إلى الحديقة، فمكافأة الله لصاحب الحديقة بإسباغ نعمة المطر (الذي نزل من السحابة) عليه كان لعدة أسباب: أنه إنسان يتقي الله ويخشاه بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه، ويكتسب رزقه من عمل يده، ويطبق أمر الله في النفقة على عياله، ويشكر الله الذي مكنه من نعم الحديقة بالصدقة على الفقراء وعلى ذوي الحاجات الخاصة، هذا بالإضافة لحسن تدبيره لغلة الحديقة.
IV – الفوائد التربوية:
- الفائدة المعرفية: إن الله عز وجل شكور، حيث أعطى الله ذلك المحسن ثوابه بأن سخر له السحاب لمزرعته.
- الفائدة النفسية: استشعار بأن النعمة هي فضل الله ولا فضل للإنسان فيها على نفسه ولا على غيره.
- الفائدة السلوكية: نحدّد جزءً من مصروفنا للصدقة.
V – من فوائد القصة:
- تسخيـر الله الملائكة والمطر لعباده المتصدقين الذين يؤدون حقوق الفقراء من أموالهم.
- الاعتماد على النفس، والعمل المثمر، والتصدق على الفقراء يؤدي إلى زيادة الرزق.
- المؤمن العاقل يحفظ حق الفقراء، وحق عياله، وحق حديقته.
- الإنفاق على العيال، والصدقة في سبيل الله، والإكثار من أعمال البر تؤدي إلى مرضاة الله عز وجل.
بالتوفيق