تمهيد إشكالي:
أملت المصالح الإمبريالية في الشرق العربي إلى التحالف مع الحركة الصهيونية ومساعدتها على إنشاء “دولة إسرائيل” سنة 1948م، وبتزايد ارتباط هذه الأخيرة بالإمبريالية الغربية برز صراع عربي إسرائيلي تبلور في مواجهات مسلحة ودبلوماسية تطورت لتصبح معها القضية الفلسطينية قضية دولية.
- فكيف ساهم التحالف الإمبريالي الصهيوني في قيام “دولة إسرائيل”؟
- وما مظاهر المقاومة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي؟
- وما مسار السلام في الصراع الفلسطيني والعربي ضد إسرائيل؟
I – دور التحالف الإمبريالي الصهيوني في قيام “دولة إسرائيل”، وفي انطلاق الصراع العربي الإسرائيلي:
1 – دور الإمبريالية الغربية في صدور قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة:
سعت الدول الغربية الكبرى إلى مساندة الحركة الصهيونية، وكانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المدعمان الرئيسيان لها، فقد أصدرت لجنة التحقيق البريطانية / الأمريكية في نونبر 1945م عدة توصيات استفاد منها اليهود بالدرجة الأولى، وهكذا وجدت جامعة الدول العربية نفسها أمام تحدي جديد، فأرسلت مذكرة في الموضوع إلى الحكومة الأمريكية أعربت فيها عن أسفها الشديد للدعم الإمبريالي الغربي للحركة الصهيونية، ولتناقض سياستها الفعلية مع مبادئها التي تهدف إلى حق الشعوب في تقرير المصير، ورغم ذلك وبتزايد الضغط الصهيوني على القوى الكبرى عرضت بريطانيا القضية الفلسطينية على هيئة الأمم، هذه الأخيرة صادقت على قرار تقسيم فلسطين يوم 29 نونبر 1947م الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى إسرائيلية، مع تدويل منطقة القدس، وإلغاء الانتداب البريطاني، وبعد انسحاب بريطانيا في 14 ماي 1948م، أعلن عن قيام دولة إسرائيل، واعترفت بها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
2 – إعلان قيام دولة إسرائيل ورد فعل الولايات المتحدة وبداية الصراع العربي الإسرائيلي:
استغل الصهاينة انسحاب بريطانيا ليعلنوا عن قيام دولة إسرائيل في 14 ماي 1948م، وفي نفس اليوم وجه الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” (Harry S. Truman) خطابا أعلن فيه عن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل، وعن تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لها، وهكذا قرر الصهاينة إحباط كل محاولات التسوية، ومن ثم شنوا غارات على السكان، وقاموا بعدة مذابح، وأمام هذه التحديات وجهت جامعة الدول العربية مذكرة في الموضوع إلى الأمم المتحدة أكدت فيها على أن تدخل الجيوش العربية في فلسطين جاء من أجل مساعدة الفلسطينيين على إعادة الأمن والسلم إلى بلادهم، وبتدخل الجيوش العربية نشبت حرب عربية / إسرائيلية بالمنطقة دامت من 15 ماي 1945م إلى 6 يناير 1949م سرعان ما أعقبتها اتفاقيات هدنة أشرفت عليها الأمم المتحدة، فكانت النتيجة هي حدوث نكبة 1948م (توسع إسرائيل خارج الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة، وتهجير السكان).
II – تطور المقاومة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي حتى سنة 1973م:
1 – العدوان الثلاثي على مصر:
بقيت الدول الاستعمارية تدعم الوجود الإسرائيلي بالمنطقة، فأصدرت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بيانا سنة 1950م الهدف منه هو تعزيز القوة العسكرية لإسرائيل، فشجع ذلك إسرائيل على القيام بعدة غارات على البلدان العربية، وكان أخطرها هو مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م الذي جاء بعد أن قررت الحكومة المصرية تأميم قناة السويس، وهكذا استولت إسرائيل على شرم الشيخ عند خليج العقبة، واحتلت قطاع غزة، وصحراء سيناء، في حين نزلت القوات البريطانية والفرنسية في “بور سعيد” للاستيلاء على القناة، فتضامنت كل الدول العربية مع مصر، واستنكرت الأمم المتحدة هذا الغزو، وهدد الاتحاد السوفياتي باستعمال السلاح النووي في حالة عدم إيقاف العدوان، فكانت النتيجة هي انسحاب القوات المعتدية وفشلها في تحقيق أهدافها.
2 – تطور المقاومة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بعد الحرب العربية الإسرائيلية الثانية (العدوان الثلاثي):
قررت الحركة الوطنية الفلسطينية تنظيم صفوفها فأعلنت عن تأسيس “منظمة التحرير الفلسطينية” سنة 1964م، وتأطير العمل المسلح الفلسطيني، إلا أن ذلك لم يمنع الصهاينة من شن عدوان جديد على الدول العربية في “حرب الستة أيام” (من 5 إلى 11 يونيو سنة 1967م) بعد أن تأزمت العلاقات بين العرب وإسرائيل مرة أخرى، وكانت النتيجة هي سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة في فلسطين، وسيناء بمصر، والجولان في سوريا، ثم جاءت حرب أكتوبر (من 6 إلى 25 أكتوبر 1973م) بهدف استعادة الأراضي العربية المحتلة في “حرب الستة أيام”، واقتصرت هذه الحرب على الجبهة السورية (الجولان) والجبهة المصرية (القناة)، ثم توسعت لتشمل جبهة ثالثة على الحدود اللبنانية، حيث كانت ترابط قوات فلسطينية ولتعزز أيضا بوحدات عسكرية عربية من بينها كتيبتان مغربيتان شاركت إحداهما في جبهة الجولان والثانية في جبهة سيناء، كما بادرت الدول العربية المنتجة للبترول إلى حظر البترول على الدول الموالية لإسرائيل، وكانت النتيجة هي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في هذه الحرب، وإجبارها على الدخول في مفاوضات مع الدول العربية.
III – مسار السلام في الصراع العربي الإسرائيلي:
1 – تطورات القضية الفلسطينية منذ الحرب الإسرائيلية الرابعة (حرب أكتوبر):
انعقد مؤتمر القمة العربية السابع بالمغرب في أكتوبر سنة 1973م، وبموجبه أصبحت المنظمة الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فأعلن “أبو جهاد” سنة 1987م عن انطلاق “انتفاضة أطفال الحجارة” التي أرغمت إسرائيل على الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين، وهكذا انعقد مؤتمر مدريد سنة 1991م لتدارس عملية السلام في الشرق الأوسط تمخض عنه التوقيع على “اتفاقية أوسلو” سنة 1993م، وتنص هذه الاتفاقية على تمكين الفلسطينيين من الحكم الذاتي في قطاع غزة ومدينة “أريحا” أولا، ورغم ذلك فقد بدا واضحا للفلسطينيين أن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس أصبح أمرا صعبا بسبب الممارسات والتنصل من تنفيذ الالتزامات التي وقعت عليها الحكومات الصهيونية المتعاقبة، وهو ما أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى سنة 2000م التي كبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية، وعرفت اجتياحا إسرائيليا شاملا لمخيم جينين سنة 2002م أسفر عن استشهاد العشرات من الفلسطينيين، كما عرفت اجتياحا إسرائيليا آخر على قطاع غزة يوم 27 شتنبر 2008م أسفر عن استشهاد أكثر من 1400 شخص.
2 – تطورات الصراع العربي الإسرائيلي بعد الحرب الإسرائيلية الرابعة (حرب أكتوبر):
بعد حرب أكتوبر سنة 1973م عرف الصراع العربي الإسرائيلي عدة تطورات، ففي سنة 1979م تم التوقيع على “اتفاقية كامب ديفيد” بين إسرائيل ومصر برعاية أمريكية، وقد نصت على انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء التي احتلها في حرب الستة أيام مقابل إلتزام مصر بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن ذلك لم يمنع من اندلاع حرب عربية إسرائيلية خامسة هي الحرب على لبنان سنة 1982م، التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “السلام في الجليل” دخلت على إثرها إلى بيروت ثم انسحبت وبقيت في الجنوب، ومن جهة أخرى وقعت “اتفاقية شرم الشيخ” مع كل من مصر وفلسطين والأردن، ونصت على انسحاب تدريجي لها في أجزاء من الضفة الغربية، والإفراج عن المعتقلين، إضافة إلى جمع الأسلحة غير المشروعة، واعتقال ما اعتبرتهم “المشبوهين الفلسطينيين”، وفي سنة 2000م انسحبت القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني الذي احتلته منذ عام 1978م، ثم تجددت الاشتباكات بين الطرفين في صيف سنة 2006م عندما قام الجيش الإسرائيلي بشن هجوم عسكري على لبنان ردا على أسر جنود كان “حزب الله” قد أعلن عن أسرهم لتحرير بعض الأسرى.
خاتمة:
تعتبر القضية الفلسطينية من القضايا التي نتجت عن تحالف إمبريالي صهيوني، نتج عنها تأسيس كيان جديد وطرد معظم الفلسطينيين، وشهدت نهاية ق 20م انطلاق عملية السلام التي تتعثر بسبب المواقف الإسرائيلية.